تطوير تخطيط المنطقة المركزية

طارق علي فدعقكلية تصاميم البيئة، جامعة الملك عبد العزيز، جدة

ملخص البحث.: شهد تاريخ مكة المكرمة العمراني أحد أهم تطوراته خلال العشرين سنة الماضية، فقد عكست التوسعة الأخيرة في عام 1413هـ للحرم المكي الشريف الأهمية الخاصة للحرمين الشريفين في هذا البلد، وقد أدت إلى تغيرات جذرية في خصائص المسجد، بل وعلى مكـة المكرمـة بأكملها. وكانت التغيرات الأساسية كمية فأثرت في الطاقــة الاستيعابية لأقدس بقعة في الإسلام، وكانت هناك أيضاً تغيرات نوعية فقد جرت تحسينات لترتقي بمستوى البيئة الروحانية والطبيعية للمسجد. وبقيت تحديات جذرية في البيئتين الطبيعية والعمرانية في المنطقة المحيطة بالمسجد. ففي تلك المنطقة ارتفعت أسعار العقار، ولكن البيئة المبنية بشكل عام لم ترتق إلى مستوى التحدي العمراني؛ لتواكب الطلب المتزايد على الفراغات الكافية واللائقة حول المسجد. ولذا فقد بدأت محاولات طموحة للتجديد الحضري في المنطقة، وهي أكبر المشاريع العمرانية في تاريخ المملكة العربية السعودية.تهدف هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على أهم التطورات في المنطقة المركزية حول المسجد الحرام، وخصوصا فيما يتعلق بمحاولات إعادة تطوير المنطقة عمرانياً. ومن خلال ذلك ستستعرض أهم قضايا التخطيط في المنطقة المركزية، ومقترحات التصميم الحضري التي حاولت أن تعكس تلبية احتياجات المنطقة الفريدة من نوعها لترفع من قدرتها الاستيعابية. فمن جهة كان التحدي البديهي هو رفع الكثافة البنائية، ولكن من جهة أخرى ظهرت الحاجة إلى مراعاة الظروف البيئية، والتاريخية، والروحانية الخاصة للمنطقة. ومن خلال مناقشة تلك القضايا الأساسية، تهدف الدراسة إلى بلورة أوجه التعاون بين القطاعين العام والخاص، وكيفية تحديد الكثافة في المنطقة المركزية، ومستقبل التطوير العمراني حول المسجد الحرام. 

مقدمـة:وهب الله عز وجل المملكة العربية السعودية العديد من الخيرات والموارد المهمة، ومن أهم تلك النعم هي وجود الحرمين الشريفين على أرضها. وقد أولى ولاة الأمر في المملكة عناية خاصة بالحرمين، وتم تكريس الجهود والموارد بدون حساب للارتقاء بهما وبالبيئة العمرانية بداخلهما وحولهما. وبالرغم من التطورات الهائلة التي ارتقت بالمستوى العمراني للمسجد الحرام، جاء التحدي الأكبر في تخطيط و إعادة تطوير المناطق المحيطة به، وذلك لعدة عوامل، منها حجم المنطقة، وبيئتها الطبيعية، وتداخل الملكيات الخاصة المتشعبة، وحق الطرق و المرافق، وصعوبة استقراء الأنماط المستقبلية في النمو و الحركة، والتخطيط للمنطقة المركزية، وتنفيذ تلك الخطط في ضوء المتغيرات العمرانية المتشعبة، ومتغيرات المؤثرات الاقتصادية والاجتماعية ذات العلاقة.يهتم هذا البحث بالعناصر العمرانية الخاصة بتحولات المنطقة المركزية حول المسجد الحرام وخلال العشرين سنة الماضية بشكل خاص. وتعتمد منهجية البحث على الأسلوب الوصفي التحليلي آخذة في الاعتبار الدراسات السابقة في هذا المجال، والمعلومات الحديثة المتوافرة عن المنطقة المركزية. و يبدأ البحث باستعراض عام للعناصر الطبيعية، ثم يتطرق إلى العوامل العمرانية والبشرية التي أثرت في تطوير المنطقة، ويستعرض خصائص المنطقة المركزية، ثم يركز البحث على القضايا الأساسية التي تؤثر في تطويرها، وعلى أهمية دور التصميم العمراني للمنطقة المركزية، ومساهمة القطاعين العام و الخاص فيها، مع إلقاء الضوء على المفاهيم الأساسية للتصميم العمراني في بعض الدراسات الأساسية.

الخلفية:مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وبيت المقدس ينفردون بالعديد من الخصائص المهمة التي تميزهم عن جميع مدن العالم. فبالإضافة إلى أهميتهم وروحانيتهم للعالم الإسلامي، يتميزون بأقوى أنواع الجذب العمراني بين مراكزهم  و باقي المناطق المحيطة بهم. وفي الواقع، فإن تطورهم التاريخي هو التجسيد الأساسي لنظريات التنمية العمرانية المحورية، أي التطوير المرتبط ارتباطا مباشرا و أساسيا بنواة المدينة، والذي يكون حلقات تنمية حول المركز، والتي تتبلور من خلاله نظرية منحنيات قيم الأراضي.  

الخلاصة:حقق القطاع الخاص معظم مكاسبه من استثمارات وقرارات القطاع العام، وبالرغم من ذلك فلا يزال مستوى المشاركة الفعالة في التنمية الحضرية في وسط مكة بحاجة إلى المزيد من الجهد. وقد جاءت مشاريع شركة مكة للإنشاء و التعمير أولا في شريحتها الأولى التي بدأت عام 1407هـ، ثم مشروعا جبل عمر، وجبل الكعبة، كمساهمات مثمرة- بإذن الله- في تطوير المنطقة، إلا أنها محدودة نسبيا فلا تكاد تغطي ربع المنطقة المركزية. ولذا فالمنتظر أن يساهم القطاع الخاص بشكل أكبر في تطوير المنطقة مستقبلا. وقد جاء في الخطط الخمسية الوطنية الرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة أن يساهم القطاع الخاص بشكل أكبر في التنمية في المملكة العربية السعودية. وقد تحقق ذلك في الكثير من المجالات، ولكن في تطوير المنطقة المركزية في مكة، يجري تطبيق ذلك ببطء؛ وذلك لعدة عوامل كما ذكرت آنفا، وفي مقدمتها الحفاظ على مصالح ملاك الأراضي، والاهتمام بمفهوم "المصلحة العامة" لكي تقلل الضرر بقدر ما يمكن وبالذات على أصحاب الأراضي الصغيرة.ولا شك في أن ما قدمته حكومة خادم الحرمين الشريفين خلال العشرين سنة الماضية يفوق ما حصلت عليه مكة المكرمة خلال مئات السنين من استثمارات في البنية التحتية، وتطوير آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي وإعادة تعمير المنطقة المركزية لتليق بوضعها كأهم المناطق الحضرية في العالم. ومما لاشك فيه أن ارتفاع أسعار الأراضي في المنطقة المركزية هو انعكاس لسياسات وبرامج تطوير عمرانية حرصت على الارتقاء بالمستوى العمراني لمكة المكرمة بشكل عام، والمنطقة المركزية بشكل خاص.وأخيرا فإن تكوين الهيئة العليا لتطوير مكة المكرمة الذي أصدر قرار تشكيلها في رمضان 1421هـ هو خطوة إيجابية للارتقاء بمستوى أم القرى بشكل عام، والمنطقة المركزية بشكل خاص. وخصوصا أن العناصر المتعلقة بالكثافات، والتصميم الحضري، وبرامج وسياسات التجديد الحضري ستكون بمشيئة الله ضمن أولويات القضايا التي تقوم الهيئة بتقويمها. (فرحات وبليلة، 1422هـ).


 

لا تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *