أنظمة البناء قيدت المبدعين ورسخت التقليدية

    تقف انظمة وقوانين واشتراطات البناء حجر عثر امام تطور صناعة "البناء" في السعودية هناك اكثر من جهة تتنازع تلك الانظمة والتشريعات، دون ان نرى تحركاً يوحدها ويحد من التناقض الحاصل بين الجهات التشريعية والتنفيذية.

وقد حدت الانظمة من الافكار الابداعية بل ورسخت التقليدية والركون على مواد بعينها ولأهمية القضية فقد عرضناها على المستشار الدكتور مهندس خالد بن عبدالعزيز الطياش وبدأ حديثه قائلاً:

@@ يقصد بالانظمة والاشتراطات تعليمات ومواصفات البناء التي تصدرها الجهة المنظمة لعملية البناء والتعمير في البلاد سواء كانت هذه الجهة البلديات او الدفاع المدني الذي يهتم باشتراطات الامن والسلامة او صندوق التنمية العقارية والذي اوجد عدداً من الاشتراطات الملزمة لكل من اراد ان يقترض من الصندوق وتشمل تحديد مواد البناء وبعض الشروط التنظيمية. فلقد بدأ وضع الانظمة والاشتراطات المطورة بعد الازمة السكنية خلال الاعوام 1390- 1400ه وذلك للحد من الارتجالية في البناء التي حصلت اثناء اتجاه المواطنين وبشكل كبير للبناء نتيجة لتلك الازمة ولبداية قيام صندوق التنمية العقارية بتقديم القروض للمواطنين.

وتوضع الانظمة والاشتراطات عادة بحيث تناسب نوع المبنى وموقعه من كونه عمارة على شوارع رئيسية او على نظام الفلل او ربما يكون البناء مثلاً من نوع الفلل ذات السكن الخاص لعائلة او عائلتين وقد تكون عمارة على الصامت وغير ذلك من النماذج وتشمل هذه الانظمة والاشتراطات على سبيل المثال، نسب البناء بالنسبة لقطعة الارض، ارتفاع البناء، ابعاد الارتدادات، نوعية الواجهات مواقف السيارات، ميول المداخل والمخارج، القبو، الدرج، المصاعد والمناور وابعادها، مساحات الفراغات الداخلية، ابعاد البروزات، مناسيب الأدوار ويقوم بتطبيق هذه الأنظمة والاشتراطات مشرفون من قبل الجهات المنظمة في البلديات والدفاع المدني اذا كانت المباني كبيرة ومتعددة الوحدات السكنية وذلك بمتابعة التصاريح التي حصل عليها المالك والتاكد من مدى التزامه بتطبيقها، كما يقوم مهندسو صندوق التنمية العقارية بمتابعة مدى التزام المقترض باشتراطات الصندوق وفي كل الاحوال تطبق جزاءات مالية للمخالف إضافة إلى إيقاف العمل وازالة كل ماهو مخالف لتلك الانظمة والاشتراطات.

ان تجديد الانظمة والاشتراطات وتعديلها لمواكبة ما يستجد وما يفيد سواء في نظام البناء او في اختيار مواد البناء يعتبر دليلاً على رغبة الجهات المنظمة في الوصول الى اعلى درجات النجاح واقربها الى الانسب للساكن مادياً ووظيفياً بدلاً من الاغراء باستخدام مواد بناء غالية مما يسهم في رفع تكلفة المسكن كما ان التوصية باستخدام انواع مستوردة من مواد النهو والارضيات قد تساهم في رفع اسعار تلك المواد دون مبرر وكان الافضل تطوير مواد النهو المحلية رحل المبنى وظيفياً دون اعطاء الاعتبار الكبير لمواد النهو والتشطيبات واضافة الى ما ذكر فان التوصيات مازالت مستمرة باستخدام مواد مضى عليها وقت طويل وظهر في الاسواق مواد بناء تفوقها جودة وجمالاً وبأرخص الاسعار اضافة الى ثبوت عدم فعاليتها في بلادنا ومثال ذلك ان صندوق التنمية العقارية مازال يغري باستخدام مواد بناء معينة رغم عدم فعاليتها وجدواها لطبيعة وبيئة المملكة بمعنى ان ما وضع من انظمة واشتراطات للصندوق وعددها ثمانية فقط لم تدرس بعناية رغم قلتها منذ ان بدأ الصندوق في تقديم القروض (1394ه – 1974م) رغم وجود الكوادر الوطنية ذات الكفاءة من مختلف التخصصات ضمن جهاز صندوق التنمية العقارية ومما زاد في ضبابية الرؤية لدى الساكن عدم وجود تنسيق وعلاقة بين انظمة البلديات وأنظمة الدفاع المدني او اشتراطات صندوق التنمية العقارية فكل واحد من تلك القطاعات له اشتراطاته الخاصة ولكن يقع على البلديات المسؤولية الكبرى في ايجاد نظام جديد مدروس يواكب كل تطلعات المجتمع وكل ما يستجد من مواد بناء قد تساعد في حل مشكلة معمارية ما ولعل الكم الكبير من المعماريين والمهندسين الوطنيين في البلديات غير عاجزين عن دراسة وتجديد توحيد تلك الانظمة بما يخدم النهضة العمرانية والمعمارية التي تشهدها بلادنا.

للانظمة والاشتراطات تأثير كبير على النمط العمراني بصورة خاصة وعلى العمران بمفهومه الاشمل فنظام الارتدادات وانعكاساته المادية والتصميمة على المالك يؤثر سلباً في تكلفة وتصميم المبنى فهو يعرض الجزء الاكبر في المبنى للظروف المناخية المتقلبة وينتج عنه مناطق حول المبنى يصعب استغلالها في نشاط مفيد كحديقة او مكان للترفيه كذلك يؤدي هذا النظام الى ضياع كبير لمساحات الارض ويبرز تاثير نظام الارتدادات الاشمل بزيادة التكلفة في شبكة الخدمات على مستوى المدينة اما الاثر الاجتماعي لهذا النظام كونه يضعف العلاقات الاجتماعية ويباعد بين السكان والانظمة اذا لم تطور وتتماشى مع روح العصر تعتبر قيداً اساسياً يحد من عملية الإبداع وتوفير بدائل تصميمة ناجحة لدى المصمم فقد ينتج من التقيد الحرفي بالأنظمة تكرار في المظهر العام لواجهات المباني وتكرار ممل في تصميمات المباني السكنية بصفة خاصة وحيث ان الكثير من هذه الانظمة ذات جذور خارج البيئة السعودية وربما بعضها يطبق في بيئة مختلفة فقد ينعكس اثر هذه الانظمة كنوع من التغريب في المساكن وعدم انسجامها مع اسلوب حياة المجتمع المحلي، كذلك قد تحد هذه الانظمة من عملية تطوير نوعية المباني ثم انها تشكل تقييداً لابداعات المصممين في توفير بدائل وحلول تصميمية بديلة وجيدة وتؤثر الانظمة والاشتراطات معمارياً على المسكن المعاصر في المملكة بشكل كبير فلقد تم استبدال نظام الانفتاح على الداخل الذي كان يتميز به البيت التقليدي حيث تفتح الحجرات على الفناء الداخلي للمسكن بنظام الانفتاح على الخارج حيث تفتح حجرات المنزل على المنازل المقابلة والشوارع المحيطة، بجانب تلك الخصوصية كان الفناء الداخلي فعالاً في مجال مناسبته للبيئة المناخية فهو يعمل على تلطيف الحرارة وهذا الميزة صار يفتقدها المنزل المعاصر ويبرز نظام الارتداد كعنصر سلبي في هضم حق المالك في عدم البناء في ارض اشتراها وحصره في نطاق استخدام حيز محدد من الأرض.

ان الانظمة والاشتراطات المفروضة من قطاعات البلدية او صندوق التنمية العقارية او الدفاع المدني في بعض المباني تحتاج الى دراسة لتوحيدها وتطويرها لتواكب روح العصر الحديث وتطور مفهوم العمارة والعمران بما يتناسب مع ديننا وعاداتنا وتقاليدنا والبيئة المناخية لهذا البلد وليس بالضرورة ان نجاح مبنى معين في بلد معين يعتبر شهادة نجاح له تمهد تطبيقه لدينا فكل بلد له طابعه الخاص وميزاته الاجتماعية والمناخية الخاصة. ففي الآونة الاخيرة اصبح معظم اصحاب الاعمال المساندة للهندسة كالرسامين والمساحين ومراقبي البناء والعقاريين اصبحوا معماريين فلابد لهؤلاء من ثوابت وضوابط للحد من استغلال اختلاف وتباين بعض الانظمة والاشتراطات لتشويه العمارة العمران في مدننا.

 

———————————————————————————————————–

 

جريدة الرياض – الخميس 18صَفر 1428هـ – 8مارس 2007م – العدد 14136

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *