عبدالعزيز بن محمد الحقيل
|
ويرى الحقيل انه من الضروري ان تبذل الاجهزة المعنية جهوداً مضاعفة لمراقبة جودة الهواء والماء والتربة، والسعي لإلزام الجميع تطبيق الانظمة والقوانين البيئية المعتمدة في المملكة.
ويلفت الدخيل الى ان السبب الرئيس وراء ظاهرة التلوث هو اساءة استخدام الموارد الطبيعية بشكل يؤدي الى تزايد الفجوة بين اساليب الحياة العصرية بمنجزاتها المعقدة وبين مكونات النظام البيئي من خلال هذا الطرح:
لا يختلف اثنان على تزايد الاهتمام بظاهرة "التلوث البيئي" التي باتت تؤثر تأثيراً مباشراً على جميع جوانب حياة الإنسان، الصحية منها والاقتصادية والتنموية بشكل عام، وذلك بسبب ما يشكله التلوث البيئي – على اختلاف اشكاله – من خطر مباشر او غير مباشر يتمثل في تلوث الماء والهواء والتربة، والتأِثير السلبي للضجيج وما يترتب على هذا كله من ضرر على الإنسان، والنباتات والحيوانات ايضاً، ومن اخلال بعناصر التوازن البيئي على الأرض التي استخلف الله الإنسان فيها ودعاه الى عمارتها والمحافظة عليها.
ومن المؤسف اننا نلاحظ ان التلوث البيئي في مدننا الكبرى في المملكة يزداد سنة بعد أخرى، وذلك كلما ازداد عدد السكان، وبالتالي عدد وسائل النقل، والمصانع ومنشآت المرافق العامة وغيرها من مصادر التلوث الأخرى، لذلك فقد بات من الضروري ان تبذل الاجهزة المعنية جهوداً مضاعفةً لمراقبة جودة الهواء والماء والتربة، والسعي الى الزام الجميع تطبيق الانظمة والقوانين البيئية المعتمدة في المملكة.
ومن المعروف ان السبب الرئيس وراء ظاهرة التلوث البيئي هو اساءة استخدام الموارد الطبيعية بشكل يؤدي الى تزايد الفجوة بين اساليب الحياة العصرية بمنجزاتها التقنية المعقدة، وبين مكونات النظام البيئي، وهي فجوة يبدو من الواضح انها مرشحة للاتساع بصورة قد تحدث، لا قدر الله، اختلالاً في الاستقرار البيئي يصعب اصلاحه، وتؤثر في العلاقة بين الإنسان والبيئة، التي انعم الله بها عليه وحذره من الاساءة اليها او استنزاف مواردها، تأثيراً سلبياً ستكون عواقبه وخيمة اذا لم يتم تداركها.
ولست هنا في حاجة الا ان اطيل الشرح او الاستدلال، ففي اكثر من موقع يؤكد الإسلام العظيم على اهمية البيئة وضرورة المحافظة عليها، وعدم اساءة استخدام مواردها بأي شكل من الاشكال.
ومع هذا، فإن تعقد الحياة، وضعف الوعي البيئي، وعدم وجود برامج شاملة ودائمة للاستفادة من المخلفات والنفايات بطرق علمية، وما يضاف للبيئة يومياً من ملوثات الهواء والماء والتربة من مخلفات وسائل النقل والمصانع، والتلوث الاشعاعي، والتلوث الكيميائي والتلوث الصوتي والضوئي وغيرها، تسبب العديد من الاضرار والمشكلات التي قد لا يمكن تقدير خطورتها الآن الا ان الدلائل العلمية تشير بوضوح الى ان عواقبها ستكون اخطر بكثير مما يتخيل الناس.
ويربط الخبراء، على سبيل المثال، بين تلوث الهواء بالغازات الضارة، مثل اول وثاني اكسيد الكربون، المصاحبين للنهضة الصناعية، والتلوث الناجم عن الغازات الناتجة من عوادم وسائل النقل، وبين مخاطر كبيرة تحدق بصحة الإنسان، حيث يربط عدد غير قليل من الدراسات العلمية بين كثير من الامراض الخطيرة التي يتعرض لها الإنسان وبين زيادة معدلات التلوث عن الحدود المسموح بها.
كما يشير خبراء البيئة الى خطورة تلوث التربة الناجم عن دخول اجسام ومواد غريبة عنها مما يؤدي الى تغير تركيبها الكيميائي والاضرار بالتالي بكل ما تنتجه هذه التربة من طعام يستهلكه الإنسان بكل ما فيه من ملوثات. هذا، اضافة الى تلوث المياه الناتج عن القاء مخلفات المصانع والمواد العضوية او الكيميائية ومخلفات المستشفيات فيها، فضلاً عن التلوث بالاشعاع المستخدم في العلاج والتشخيص. ولاشك ان العلاقة الطبيعية الوطيدة بين العناصر الثلاثة: الهواء والماء والتربة، تجعل انتقال الملوثات بينها امراً حتمياً يعزز ما ننادي به من مضاعفة الجهود لحماية البيذة بمعناها الواسع.
وقد ادركت الحكومات المختلفة مخاطر التلوث البيئي وحتمية تضافر الجهود لتخفيف حدة هذا الخطر الداهم، فعقدت المؤتمرات التي تناقش الظاهرة وتحاول التقليل من آثارها، وسنت القوانين التي تفرض على القطاعات المختلفة الالتزام بالمعايير والقواعد البيئية.
ولم تكن بلادنا بمعزل عن هذه الجهود، فقد اكدت في جميع خططها التنموية على ضرورة ان تقوم كل مؤسسة صناعية او نشاط صناعي ببرامج تهدف الى حماية البيئة. وانشأت الرئاسة العامة للارصاد وحماية البيئة، واناطت بها المسؤوليات القانونية والفنية والعملية المتعلقة بحماية البيئة، وانشأت كذلك معهد بحوث الموارد الطبيعية والبيئية في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، الذي انجز دراسات كثيرة لتحديد مستويات تلوث الماء والهواء والتربة، ولقياس التأثيرات البيئية للمبيدات والنفايات الصلبة والخطرة، ولتحديد افضل الطرق للتخلص منها، وانشأت كذلك الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وانمائها التي بذلت جهوداً طيبة في مجال اختصاصها. وجميع هذه المؤسسات وكثير غيرها تشجع البحوث العلمية في مجال التلوث البيئي، وتنشر الوعي البيئي بين المواطنين والمقيمين بشتى الوسائل.
ولكن، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة للحد من ظاهرة التلوث البيئي، الا ان النمو السكاني المطرد، والنهضة الصناعية المتمثلة في آلاف المصانع، وعشرات المدن الصناعية، والصناعات البتروكيميائية، ومحطات تحلية المياه، ومرافق انتاج الكهرباء، ومصافي النفط، والتأثير السلبي لزيادة استهلاك الطاقة، والزيادة الكبيرة في اعداد المساكن ووسائل النقل والمعدات المختلفة. تحتاج منا جميعاً الى تكثيف الجهود وتواصلها بشكل مستمر ومتنامي لمقاومة التلوث البيئي بكل ابعاده، خاصة ان عدداً من البحوث اكد ارتفاع نسبة تلوث الهواء في بعض المدن الكبرى في المملكة، مثل الرياض وجدة والدمام عن الحدود المسموح بها بيئياً وصحياً. كما اشارت هذه البحوث الى تراكم ملوثات مثل اول اكسيد الكربون واكسيد النيتروجين وثاني اكسيد الكبريت والجسيمات الدقيقة والرصاص في البيئة بشكل يسم في الاصابة بأمراض عديدة. وان الغازات المنبعثة من عوادم السيارات التي تستخدم الديزل تتسبب في حدوث امراض خطيرة، فضلاً عن ان ازدياد معدل التلوث يؤدي الى زيادة امراض الحساسية والربو الشعبي وانخفاض وظائف الرئتين.
ان زيادة مستويات التلوث في مدننا الكبرى – او في غيرها – عن الحدود المسموح بها هو ناقوس خطر يدق لينبهنا الى ضرورة زيادة الاهتمام بالتربية البيئية التي تهدف الى توعية الإنسان ببيئته، والتأكيد على اهمية توازن المنظومة البيئية، وماي قتضيه هذا التوازن من ضرورة التقيد بالانظمة والعمل بها، وتطبيق المقاييس والمعايير الوطنية في هذا المجال، وتقليل اسباب التلوث، وتوفير المعلومات البيئية ونشرها في جميع وسائل الاعلام، لان الشفافية في نشر المعلومة عن معدلات نقاء البيئة، وخاصة جودة الهواء في المدن الكبرى، مطلوبة النها تصب في النهاية في مصلحة المواطن وترفع مستوى وعيه بما هو مطلوب منه. لذلك، نرى كثيراً من البلدان المتحضرة تنشر معدلات جودة الهواء يومياً في الصحف وفي وسائل الاعلام الأخرى، كجزء من نشرة احوال الطقس.
ولست اضيف جديداً اذا اكدت، في هذا الاطار، على ان فرز واعادة تصنيع النفايات، مثل البلاستك والورق والزجاج والالومنيوم وغيرها، هي خطوة متميزة في اتجاه حماية البيئة لما تحققه من فوائد كثيرة من الناحيتين الصحية والمادية، فضلاً عن كونها تحقق هدفاً اقتصادياً نبيلاً. وانني اؤكد انه ليست هناك صعوبة في تطبيق مثل هذه الخطوة الحيوية، فعلى سبيل المثال، وضعت ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الامريكية، قبل عشر سنوات خطة ونظاماً مكناها، هذا العام، من جمع واعادة تصنيع 50% من النفايات التي تقدر بملايين الاطنان.
ومن جانب آخر، يخصنا هنا في المملكة تحديداً، فإن نسبة الكبريت في الديزل الذي ينتج من المصافي المحلية ويباع في اسواق المملكة هو 10آلاف جزء من المليون، بينما نسبته في الديزل المنتج للتصدير للاسواق العالمية خمسمائة جزء من المليون، اذ هذا هو الحد الاعلى المسموح به في العديد من البلدان التي تستورد الديزل من المملكة.
والذي اعرفه هو ان ارامكو السعودية تعمل، ضمن خطة بدأتها عام 2002م، ومدتها عشر سنوات، على تخفيض نسبة الكبريت في الديزل المنتج للاستعمال المحلي الى خمسمائة جزء في المليون، واذكر هنا، على سبيل المثال، ان ولاية كاليفورنيا وضعت قانوناً يقضي بأن لا تتجاوز نسبة الكبريت في الديزل 15جزءاً من المليون.
في الختام، يهمني ان اؤكد انني لست بصدد سرد جميع جوانب المشكلة البيئية التي بات جلياً ان عدداً من مدننا الكبر اصبح يعاني منها، كما انني لست بصدد استقصاء كل الحلول لهذه المشكلة، وانما جل ما ارمي اليه هو لفت النظر الى تفاقم هذه المشكلة، والتأكد والتشديد على ضرورة مراقبة جودة عناصر البيئة عموماً، والهواء خصوصاً، في مدننا، واهمية الالتزام بالانظمة والقوانين البيئية في المملكة، حتى لا يصل التلوث البيئي الى حدود تصعب بعدها السيطرة عليه ولكي تبقى مدننا نظيفة نقية البيذة اذ هذا هو واحد من اهم الاهداف التي نسعى اليها.
الاثنين 22 شوال 1427هـ – 13 نوفمبر 2006م – العدد 14021 جريدة الرياض©