اللامركزية والمشاركة في اتخاذ القرار التخطيطي العمراني في مراحل التنمية الشاملة إحدى الآليات الفاعلة للتنمية المستدامة بالمدن والقرى فسياسات التخطيط العمراني هي الوعاء الحاوي والموجه لحراك الاستراتيجيات التنموية، وقلب نجاح اللامركزية والمشاركة في اتخاذ القرار المزيد المدروس منها لينال كل من يشارك شرف المشاركة بعلم ودراية بمراحل رسم الهدف تخطيطاً وتنفيذاً ومتابعة وتقويم حاضر ومستقبل وشرف تحمل المسؤولية والحوار والمساءلة في جميع المراحل.
لم يعد هناك مجال لإسناد المسؤولية الكاملة في القصور الناتج عن التخطيط المكاني للمدن والأقاليم بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمنية والإنسانية لأسباب كانت بالماضي ومنها عدم وجود العدد الكافي من المتخصصين في ظل وجود الجهات التي تعد وتؤهل محلياً في الوقت الحالي، ولم يعد هناك مجال لقفز غير المتخصصين لمواجهة قضايا التخطيط العمراني دون معرفة مهامهم وأين يقفون في فريق التخطيط وما هو مسند إليهم من مهام وفق الاطار التخصصي، ولم يعد هناك مجال لاتخاذ قرار في خطة مكانية قبل الوقوف على بدائلها واثر خطوطها بل اثر كل خط وما يحوي من (سنتيمترات وما به من مليمترات) وما تعكسه على الطبيعة من استخدام وسياسات منظمة وشروط وأثرها على النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية والأمنية وكيفية احتواء ذلك الأثر على المدى القصير والبعيد وذلك كله بفضل السياسات التنموية الشاملة ومنها ايجاد الهيئات والجمعيات المتخصصة ومشاركة المواطن في اتخاذ القرار من خلال المجالس البلدية.
ومع مرور الوقت يتضح الإصلاح المستمر لإنجاح تنفيذ السياسات التنموية الشاملة اقتصاديا واجتماعيا وعمرانياً فبعد قرار تفعيل دور المجالس البلدية نلاحظ مزيدا من الآليات لإنجاح تنفيذ سياسات التخطيط العمرانية الرامية إلى تنمية عمرانية متوازنة في جميع مناطق المملكة وداخل كل منطقة ومنها (النطاق العمراني حتى عام 1450هـ) والذي من أهدافه (ملاحقة النمو العمراني السريع للمدن، توجيه التنمية العمرانية للمسار الصحيح، التعرف على الاحتياجات الحقيقية للمدينة، توفير متطلبات النمو العمراني وفق المعايير التخطيطية، مراعاة المقومات البيئية للمدينة من أودية وهضاب ومرتفعات، توفير مساحات للخدمات الوطنية والإقليمية بناء على توصيات الاستراتيجية العمرانية الوطنية والمخططات الإقليمية للمناطق المختلفة، وتوفير قاعدة معلومات عن المدن يمكن للمستثمرين والجهات الحكومية الاستفادة منها)، ومن الآليات أيضا إعطاء أمانات المناطق صلاحية تخطيط واعتماد الأراضي التابعة لمناطقهم في حدود النطاق العمراني. وهذا يعني أن هناك تحديا وامتحانا جديدا قادما لمخططي المدن والأقاليم على المستوى المحلي (المدن والأقاليم) يتمثل في المشاركة بتخصصية في حمل الأمانة وتحمل مسؤولية تخطيط استخدامات الأراضي لتعكس هوية المكان بعمق والتنسيق الشامل والتي تتطلب الوقوف على الموارد البشرية المتخصصة في مجال التخطيط العمراني، بالإضافة إلى وضع قاعدة معلومات بأسمائهم في كل منطقة كون المرحلة الحالية والمقبلة مراحل تتطلب الاستفادة القصوى من الموارد بكل منطقة ومنها البشرية المتخصصة لإنجاح مهام مجالس المناطق والمجالس البلدية في مراحل التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقويم لتنمية مدن وقرى المناطق لتنفيذ السياسات التنموية الوطنية بالمناطق في المكان والوقت المناسب على أكمل وجه.
وهنا نصل إلى نقطة مهمة أخرى وهي مساهمة الجهات والقطاعات المختلفة أيضا في إنجاح تنفيذ سياسات التنمية الوطنية لمواجهة المتغيرات والقضايا التخطيطية التنموية في مدن وأقاليم المناطق ومنها الجامعات والتي تلعب دورا أساسيا من خلال المساهمة في تأهيل الكوادر البشرية المتخصصة وبناء القدرات الوطنية في التخصصات المختلفة ومنها التخصصات العمرانية وقلبها النابض التخطيط الحضري والإقليمي وعمل الدراسات والاستشارات المتخصصة من خلال مراكز الدراسات والأبحاث بالجامعات.
هناك من يعتقد أن الإلمام بالنواحي الأكاديمية في مجال التخصص ليس بالضرورة دليلا على نجاح في الممارسة العملية لتخطيط المدن والأقاليم وهذا اعتقاد يجانبه الصواب لقصوره في الفهم والإلمام بعمق التخصص وفنون ممارسته من خلال نظرياته التي تعد أساس الممارسة والتي تربط واقع القضايا التخطيطية بالمتغيرات المحيطة، وتساهم في الغوص إلى جذورها وربطها بفروعها لتحليلها وعلاجها تخطيطاً وتنفيذاً ومتابعة وتقويما في إطار بيئة ماضيها وحاضرها واستشراف مستقبلها محليا وعالمياً، ويمكن ملاحظة ذلك ببساطة في أي منتج تخطيطي عمراني وفي أي حوار لقضايا تخطيطية عمرانية بوجود (الخطط وخطوطها وأرقامها ورموزها) على المستوى الاستراتيجي والإقليمي والمحلي، وهذا هو عمق جمال التخطيط ويزداد جماله بمعرفة من شارك ويشارك في التخطيط ليخط اسمه ويعرض ما أنجز في الخطة ومخرجاتها حتى تسهل عملية التقييم والمكافأة والمساءلة والمحاسبة، فمشاريع التنمية الوطنية العملاقة بحاجة إلى تخطيط دقيق مبني على المعلومة الصحيحة والتخصص بعمق والمشاركة الفاعلة بجماعية لتلبي حاجة أجيال الحاضر دون الإضرار بحاجة ومتطلبات أجيال المستقبل.
الانطلاق للعالمية أساسه الهوية المحلية وهذا أساس النجاح لمواجهة المتغيرات المستمرة السريعة واستمرار حمل المسؤولية بجماعية في حلقات متصلة مدروسة لأجيال ماضية وحاضرة وقادمة يسهل فيها الرجوع عند الحاجة إلى كل مرحلة ماضية بخطوطها وكلماتها وأرقامها ورموزها، والتقدم إلى المراحل المستقبلية وفق خطط مبنية على معلومة صحيحة ومشاركة فاعلة، يعرف فيها الجميع المهام والصلاحيات وفق إطار موثق يسجله التاريخ وتتوارثه الأجيال.
واخيراً وليس آخرا إصلاحات مستمرة ولله الحمد بمملكتنا الحبيبة ومزيد من آلياتها ومنها (إعلان هيئة سوق المال أسماء متلاعبين في مضاربات في السوق، وقرار مجلس الوزراء بإنشاء وكالة شؤون المستهلك في وزارة التجارة والصناعة، بالإضافة إلى جمعية حماية المستهلك) والتي ستساهم ان شاء الله وبكل تأكيد في التنفيذ الدقيق لسياسات التنمية الشاملة التي يرعاها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين يحفظهما الله ومنها حماية النزاهة ومكافحة الفساد والمشاركة في حمل المسؤولية لمزيد من الخير للوطن والمواطن.
|
د. فائز بن سعد الشهري ============================== جريدة اليوم – الجمعة 1428-06-21هـ الموافق 2007-07-06م |