عمارة المكان والنسق العاطفي

عمارة المكان والنسق العاطفي     منذ الأزل كانت ولاتزال القصص والنظريات تروى عن التأثيرات والتبعات النفسية التي تلحقها الاماكن بنفوس أهلها وزائريها ،ولا يخفى علينا ما ينتجه السجن الانفرادي من ابعاد نفسيه تحطم ما بقي في نفس السجين من التمرد مما يعانيه من الوحده والضيق وعن تلك البيوت التي هجرها اصحابها لنسب غير سليمه في تصميمها او توجيه خاطئ للمبنى وغيرها من الاسباب التصميميه, الى ان ضاقت البيوت باصحابها فضاقوا منها وهجروها ولا يخفى علينا كيف للتصاميم من التاثير في احساسنا ,من الامثله الواضحة  الشعور بالرهبة كلما دخلنا الى الاهرامات وما تفعله الانفاق الطويله من تلاعب في نفسيات الزائرين فلا يصلون اليه الا وقد طبخ الخوف واستوى في نفوسهم . 

    درسنا هذه النظريات وتعلمناها وما زالت روايات وحكايات تروى لم نشك في صحتها لكننا لم نلامسها مباشرة او كان لها تاثير جذري وذلك للتشابه الرتيب في الاماكن بل حتى الازمنه تشابهت وكانت لنا ملامسات خجوله جسدت واقع النظريات التي تربينا معماريا على اساسياتها ،فمنذ النهضة الاقتصاديه عام ال 75  حيث القت على استقرار النسق السعودي نظره جامحه للتغير والتميز واثبات الفرديه التي كانت محاطه بالجماعيه القبليه وبدلا الانتماء برزت الرغبه في التميز والبحث عن ثقافات ونظرات مخالفه عن ما هو الواقع الحالي في تلك الحقبه  ودعم ذللك التزايد المستمر في الطبقيه بين افراد المجتمع الى ان طغت ،واصبح الطابع العام هو الاختلاف والبحث عن انتماء بين طبقات المجتمع وكانت الدلالات الواضحه هي التغيرات التي حصلت على مساكننا واماكن العمل والترفيه حتى اماكن العباده فليست اماكن اللهو فقط التي تميزت بتاثيرها على النفوس ورغبه المزاج في اماكن مختلفه في اوقات معينه للتاثير الذي يعكسه المكان على الروح اما يبحث فيها الحيويه او السكون بل حتى المساجد اصبحت هناك مساجد ( تريح النفس ) واخر يشتت التركيز واصبحت لهذه النظريات تاثيرها المباشر اليومي على النفس البشريه التي لامست الامكنه واصبح النسق العاطفي موجها بالتأثير العمراني . منذ ما يقارب الثلاثه وعشرون سنة حطه رحالنا في مدينة الدمام ولم نزل بها  ،فترعرعت فيها منذ نعومة اضفاري حتى انهيت الجامعه فالعمل لمده 4 سينن فغدونا فيها واصبحنا من اجزائها الى ان انتقلت الى مدينة الرياض عاصمة اللمملكه العربيه السعوديه ولي الان فيها ما يقارب السنه. وفي احدى زياراتي للمنطقه الشرقيه احسست وللاسف ان المكان اصغر في نظري مما اتصور واحسست اني اعلى مكانه منها فراجعت في اعماقي عن هذا السبب المؤلم وكما ترى فان صباي وشبابي ترامت ذكرياته في اطرافها فاكجرحتورقصت فرحا  فنظرت من حولي فاذا هي عمرانيا قد امتدت افقيا وتلك الاراضي التي لم تمسها يد بشر تناثرت بين عمارنها الخجول وبعض من البدايات التي لم تتكتمل في نموها راسيا غير اني في الرياض اجد الامتدادات الراسيه حيثما ذهبت وتلك الفراغات اصبحت تتزاحم بالمناكب حتى لم يعد لها الى ان تتزاح في خط السماء وليس هنا امتداحا او نقدا انما هي نقل لما حاك النفس من تغيرات اودى بها متغير المكان وعمارته فوجدت ان المده الزمنيه التي يعاصر فيها الانسان المكان تغير في اعماقه واحساسه لغيرها من الاماكن مهما كانت لها من المعاني في الذات البشريه وكذا لو زرت جده لاحسست بالفن غالبا على  المكان لما فيها من المجسمات الفنيه والرقي وقربها من الاماكن المقدس فاصبحت منبع الارواح وقس على ذلك .فالمكان له ابعاد في النفس البشريه سواء كان التاثير في الحال او تغيرتدريجي لاحساس عام يغزو مستقبل الروح ونظرتها للغير .   

همام ابراهيم الجهني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *