لاشك ان للمسكن اهمية كبيرة في حياة الإنسان فهو يعيش فيه ويأكل فيه معظم طعامه ويأوي اليه من عناء وتعب يومه وهو يشكل في حالات كثيرة جل رأس ماله وقد يقضي سنين طويلة يجمع تكاليف انشائه وهو يؤثر على سلوكه بل وصحته بمدى ما يحقق فيه من شروط المسكن النموذجي.
وقضية الإسكان بشكل عام لها ارتباط بقطاعات كثيرة ومهمة للاقتصاد الوطني تؤثر بها وتتأثر بها مثل قطاع الخدمات الهندسية وقطاع المقاولات وقطاع استيراد وصناعة مواد البناء والأثاث وقضايا الاستقدام والسعودة وغيرها.
والمسكن بالنسبة للمواطن السعودي صار يشكل حلماً جميلاً منذ انطلاق التنمية العمرانية في المملكة بعد الطفرة النفطية الأولى في منتصف التسعينات الهجرية (منتصف السبعينات الميلادية)، والحلم الجميل هذا اصبح لابد له ان يحقق على مراحل زمنية قد تكون متقاربة وقد تكون متباعدة حسب الملاءة المالية لصاحب المسكن، فالمرحلة الأولى تتمثل في امتلاك الأرض تليها المرحلة الثانية المتمثلة في تصميم المسكن ثم تأتي المرحلة الثالثة المتمثلة في تشييد وبناء المسكن وبعد ذلك تأتي مرحلة التأثيث وبعد الاستقرار والسكن تبقى مرحلة الصيانة وإصلاح العيوب وقد يعقب ذلك ترميماً جزئياً او كلياً بعد عدة سنوات.
هذا الحلم الجميل المتحقق على مراحل له في المقابل هموم تصاحب كل مرحلة فالهم الأول يتمثل في صعوبة توفير التمويل اللازم لامتلاك الأرض فالمعروف ان اسعار الأراضي وخاصة في المدن الكبيرة ومنذ الطفرة الأولى تشهد زيادة مطردة تصعب على المواطن العادي حتى لو كان في وظيفة متميزة في القطاعين العام او الخاص وقد ساعد على ذلك البطء الشديد في توفير الآليات الرحيمة لإمتلاك الأراضي بالتقسيط وبقاء مساحات شاسعة من الأراضي داخل المدن غير معروضة للبيع مما قلل العرض مقابل الطلب ثم يبرز بعد ذلك هم آخر يتمثل في اختيار الأرض المناسبة فالموقع والمساحة والاتجاهات وما ينعكس منها على التكاليف ارتفاعاً او انخفاضاً امور هامة تستدعي الكثير من الجهد والتفكير واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
والهم الثالث يتمثل في تصميم المسكن وهذا الأمر وإن بدا للبعض سهلاً من الناحية المادية الا ان له تأثيراً كبيراً على كفاءة استعمالات المسكن وتكاليفه وسلامته، والمواطن ازاء هذه المرحلة يجد نفسه في حيرة فإن وفق الى من يرشده الى ترجمة رغباته الى مسكن ملائم معقول التكاليف ووفق. بمكتب هندسي يتمتع بالكفاءة والاخلاص فستسهل عليه هذه المرحلة وستساعده في المراحل القادمة، اما ان استمع الى بعض من يدعون المعرفة في هذا المجال وهم غير مختصين وليس لديهم خبرة او ذهب الى مكتب هندسي لا يملك الكفاءة والخبرة المهنية وهمه الأول الكسب المادي فإن الخطأ والخسارة المادية والمعنوية سيؤثران عليه سنين طويلة.
ثم يأتي الهم الرابع والأهم الذي يتمثل في تشييد وبناء المسكن وهذا الهم هو في الواقع جملة هموم تبدأ في توفير التمويل اللازم لبناء المسكن وهو لابد ان يكون من مصادر متعددة غير قرض صندوق التنمية العقارية الذي اصبح تأثيره في – حالة الحصول عليه بعد انتظار طويل – محدودا في توفير التمويل اللازم للمسكن، وهذه المصادر اما ان تكون دخلاً اضافياً للمواطن وقليلون هم من يحصل لهم ذلك او الاقتراض طويل الأجل الذي ما زال المستفيد الأول منه البنوك المقرضة، وبعد ذلك تأتي عملية متابعة التنفيذ والتعاقد على الأعمال والإشراف على التنفيذ وتحضير المواد والاختيار الصحيح من الخيارات المتعددة وهو امر يحتاج الى الكثير من الخبرة والكفاءة المتخصصة والجهد المستمر وهو مالا يتوفر لدى الكثير من المواطنين او من يوكلونهم من المكاتب الهندسية او المشرفين.
ثم يأتي الهم الخامس المتمثل في التأثيث وهذه المرحلة تستلزم الكثير من الجهد والإطلاع على الخيارات الكثيرة المتوفرة في السوق ومقارنة الجودة والأسعار وعدم الإندفاع والتعجل فالسوق المفتوح في المملكة هو ميزة كبيرة للمستهلك الذكي الواعي المتسلح بالكياسة والفطنة والتأني وهو طامة كبرى على المستهلك الساذج الذي قد يكون ضحية سهلة لبعض مندوبي المبيعات البارعين في تسويق البضائع دون مراعاة لأبسط مبادئ الأمانة والبيع الحلال.
وبعد الاستقرار والسكن يبدأ الهم السادس المتمثل في عملية الصيانة وإصلاح العيوب وهي عملية هامة خاصة في حالات شراء المساكن الجاهزة وهي يمكن ان تكون ميسرة اذا ما تم التعامل معها بطريقة علمية فتشخيص الخلل بطريقة صحيحة وسرعة اصلاحه سيخفض في التكاليف والوقت والمعاناة ولكن لكي يتم ذلك لابد من الإلمام بتفاصيل التمديدات الكهربائية والصحية والتكييف اثناء تنفيذ المسكن اما بالاحتفاظ برسومات للتمديدات حسب ماهو منفذ على الطبيعة او الاحتفاظ بصور عادية او تلفزيونية للتمديدات قبل تغطيتها باللياسة والبلاط.
والهم الأخير يتمثل في عملية الترميم والتجديد للمسكن بعد سنوات من السكن قد تطول وقد تقتصر حسب جودة تنفيذ المسكن وتكمن صعوبة هذا الأمر في عدم معرفة الأجزاء التي سيشملها الترميم وتكاليف ذلك، فإذا لم يتول هذا الأمر مهندس متخصص في تنفيذ وصيانة المسكن ستكون هذه العملية مصدر ارباك وخسائر غير متوقعة لصاحب المسكن لأن البدء بها بدون تخطيط ومعرفة بالخطوات التي يجب اتباعها ومعرفة تكاليف المواد والعمالة بالتفصيل سيؤدي الى ان تكون هذه العملية مفتوحة في الحجم والتكاليف والوقت.
الحلم الجميل للمواطن في تملك المسكن وما يصاحبه من هموم متعددة تتطلب تشخيصاً دقيقاً وعقلانياً للواقع الحالي لبناء المساكن ومن ثم استشراف آفاق الأمل الممكن والحل المناسب. وهذا ما سنتطرق اليه في الجزء الثاني من هذا المقال في الأسبوع المقبل إن شاء الله.
========================================================
جريدة الرياض – الخميس 3 ربيع الأول 1428هـ – 22 مارس 2007م – العدد 14150