نعيش نحن المخططين العمرانيين في ليبيا اليوم مرحلة الجيل الثالث من المخططات العمرانية التي انطلقت بدايتها الفعلية منذ 2002 افرنجى تقريبا بالرغم من تأخر المدى الزمني المحدد لها سلفا بانتهاء مرحلة الجيل الثاني من المخططات العمرانية للتجمعات العمرانية عام 2000ف .
ويبدو إننا نواجه نفس طبيعة المشكلات التي يواجهها إخواني المخططين العمرانيين في الوطن العربي من حيث ضعف الاهتمام من قبل المؤسسات الرسمية بأهمية ودور المُخطط المحلى في معالجة مشكلات المدن والتجمعات الريفية والتطلع دوما إلى دور الخبير الأجنبي في هذا الجانب الهام الذي يتطلب القيام به ضرورة إن يتعمق المُخطط العمراني في مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية للمجتمع لتحقيق الأهداف الوطنية للتخطيط العمراني للبلد محل العملية التخطيطية المتمثلة في التنمية والاستقرار .
وبالرغم من التأثير الخطير الناتج عن عدم إدراك دور المُخطط المحلى المؤسس على تكوينه الثقافي ومدى تشبعه بإبعاد هذه الثقافة وإمكانية التعرف على الجوانب السلبية والايجابية فيها ومحاولة تلبية الحاجات التي تعكس هذه الثقافة والهوية لهذا المجتمع عن غيرة من المجتمعات وذلك من خلال امتلاكه للأدوات التحليلية والمنهج التخطيطي العلمي من خلال التخصص والمؤهل الذي يحمله .إلا انه لا زال بعيدا عن هذا الدور .
ولقد تعلمنا فيما مضى على مقاعد الدرس الجامعي إن الخطاء التخطيطي خطا قاتل من حيث صعوبة المعالجة والتكلفة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية الناتجة عن هذا القرار إلا إن توصيات المخططين العمرانيين كثيرا ما يفتئت عليها وتصدم بآراء متخصصين من مجالات هندسية أخرى تكون لهم في العادة اليد الطولى في الموافقة على رأى المخطط العمراني المتخصص ربما بحكم كونهم سابقين له في ممارسة العمل الهندسي في المجال العام لحداثة تخصص التخطيط العمراني من حيث الوظيفة والتخصص
ولم يتم التوصل إلى إمكانية حل لهذه المشكلة للتخفيف من إمكانية حدوث الخطأ التخطيطي الناتج عن عدم الأخذ برأي المتخصص في المجال إلا من خلال تكوين كوادر محلية متخصصة في هذا المجال يمكنها نشر الوعي التخطيطي ويعهد إليها بالدور الأول لاتخاذ القرار التخطيطي السليم .
ولعل من أهم الدروس التي أمكن استخلاصها من مرحلة تطبيق الجيل الثاني من المخططات العمرانية في ليبيا هي بعض الشعور الرسمي بمدى أهمية ودور المخطط الوطني في العملية التخطيطية
ومن هنا أمكن بعد جهد كبير من المخلصين في هذا المجال إن يعهد إلى مكاتب استشارية محليه في ليبيا للقيام بإعداد دراسات الجيل الثالث من المخططات للتجمعات العمرانية إلا إن المحاولات المتكررة والمستمرة من غير المختصين في هذا المجال لازالت تقصى المخططين العمرانيين ما أمكنها ذلك …!
ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن ما هو السبب وراء هذا العناء الذي يقابله الكثير من المخططين العمرانيين أم إن الأمر لا يعدو كونه تدافع طبيعي بين أراء مختلفة في المجتمع ولا يعبر سوى عن تصور وهمي لدى هؤلاء المخططين العمرانيين …؟
إلا إنني من خلال ممارستي لمهنة التخطيط العمراني على مستوى رسمي وجدت إن هناك محاولات مستمرة لمعاندة القرار التخطيطي المتخصص وذلك لسبب بسيط جدا ، هو إن ما يطرحه المخططين العمرانيين يتعلق بالمستقبل واستطلاع آفاق هذا المستقبل ومحاولة وضع الحلول لمواجهة المتغيرات والاستعداد لها بشكل قد لا يحقق مصالح فئة معينة لذا يعارض البعض التغيير الذي يحاول أن يحدثه المُخطط العمراني من خلال صهره لسياسات المجتمع في المجالات المختلفة لإظهار الصورة العمرانية التي يجب أن تعبر بالدرجة الأولى عن ثقافة المجتمع ككل وتلبى الاحتياجات اللازمة من الفراغات العمرانية أو الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية لتوفير إمكانيات نمو التجمع العمراني بشكل صحي يمكنه من استيعاب متغيرات التطور الطبيعي المتحقق في المستقبل .
وفى الختام من خلال موقعكم المميز يمكن أن تنقل التجارب المحلية في مجال التخطيط العمراني لأهمية ما يمكن استخلاصه منها لتوحيد الجهود نحو فكر ومنهج تخطيطي ينطلق من ثقافتنا العربية الإسلامية يلبى الاحتياجات الحضرية ويعالج مشاكل المدن المتزايدة
وفـقكـم الله والسلام عليكم
الأمين حماد