د. م. خالد الطياش: فقدت المسابقات المعمارية بريقها، رغم أهميتها في اذكاء روح المنافسة وتهيئة المناخ للعصف الذهني بين المهنيين.. وأصيبت في مقتل الأمر الذي تلقى من الابداعات المعمارية ولأهمية القضية فقد عرفناها على المستشار الدكتور مهندس خالد عبدالعزيز الطياش واستهل حديثه قائلاً: المسابقات المعمارية هي مجال واسع وخصب للسباق بين المعماريين فيها الفائز وفيها الخاسرون أشبه ما تكون بالمسابقات الرياضية ولكن لكل مسابقة رياضية قواعد وأنظمة وشروط تحدد ترتيب المتسابقين وبعكس ذلك فالمسابقات المعمارية ليس لها قواعد محدودة تقاس بها المشاريع أو معايير متفق عليها تطبق للحكم على مشروع وآخر بل كل ما هناك هو اجتهادات لوضع قيمة أو درجة رقمية عظمى لكل جانب من الجوانب التصميمية المختلفة المبني عليها المشروع وعلى عضو لجنة الحكم وضع الدرجة التي يراها أمام الدرجة العظمى وحتى من خلال هذه الطريقة التقليدية للحكم فإن رأي المحكم لا يزال تقديرياً في وضعه لهذه القيمة أو الدرجة وهذا يقودنا إلى النتائج النهائية للفوز بالمسابقة نتيجة متوسط المتوسطات للدرجة المعطاة من كل عضو في لجنة التحكيم.
ومع كل السلبيات التي تصاحب عادة المسابقات المعمارية إلاّ أنها الوسيلة الوحيدة للاختيار وهذا الاختيار ليس بالطبع الخيار الأحسن والأفضل دائماً ولكنه يتم من خلال وجهة نظر لجنة التحكيم فقط وفي معظم المسابقات المعمارية تضع لجنة التحكيم تقريرها النهائي للمسابقة موضحة من خلاله الأسس والمعايير التي وضعتها وبنت عليها تقديراتها وكيف تم تطبيق هذه الأسس وتلك المعايير على كل مشروع إلاّ أنه في الغالب لا يمكن الحصول من اللجنة على تفاصيل وأرقام وتقديرات ودرجات أعضاء اللجنة لكل مشروع إنما تقدم النتائج بصورة نتيجة عامة ومختصرة.
إذاً فالمسابقات المعمارية هم كبير تعانيه المكاتب الاستشارية والهندسية الدخول فيه مجازفة وعدم المشاركة فيه مجازفة أخرى وعدم استغلال لفرصة سانحة فهل المسابقات المعمارية حظ أو توفيق هذا يعتمد على القدرة الجماعية لأعضاء لجنة الحكم على التقييم الجيد للمشاريع المقدمة وعلى مجموع الرؤى الشخصية لكل عضو من الأعضاء فقد ترى لجنة الحكم عند تحكيمها لعدد كبير من المشروعات ضمن المسابقة طريقة أخرى تختصر من خلالها وقت التحكيم وذلك بأن تكلف لجنة ثانوية لمراجعة المشروعات المقدمة بمثابة لجنة مساعدة للتأكد من التزام المشاريع بالشروط المطلوبة للمسابقة ومن خلال هذه اللجنة الثانوية يتم استبعاد المشروعات المخالفة للشروط ويتم التركيز على المشروعات المكتملة الشروط وبذلك يقل عدد المشاريع المراد تحكيمها وأحياناً قد تلجأ لجنة الحكم إلى تحديد فكرة معينة يرى صاحب المشروع قربها من متطلباته وفكره وهدفه من المشروع فيتم القياس بهذه الفكرة بقية المشاريع المقدمة وهنا يصبح التحكيم مركزاً على الشكل العام للمشروع أكثر منه على المضمون وقد تبذل العديد من المكاتب الاستشارية جهداً كبيراً في التحليل والتدقيق والدراسات البنية والانشائية والاقتصادية على حساب فكرة المشروع علماً بأن المسابقات المعمارية عادة تهدف إلى معرفة الفكرة العامة للمشروع وليس تقديم تصميم معماري متكامل فمعظم المشاريع تفرز في المسابقات لأن صورتها الشكلية أجمل وأكثر تأثيراً على لجنة الحكم من فلسفتها المنطقية والعلمية وهنا يظهر الدور الأساسي للاخراج والاظهار في توجيه دفة لجنة التحكيم لمشروع معين دون غيره ومن ثم الفوز بالمسابقة.
ومن خلال هذا الطرح نستطيع ان نحدد بعض سلبيات المسابقات المعمارية لدينا في النقاط التالية:
– المسابقات المعمارية تكلف المكاتب الاستشارية الكثير من الجهد والمال والمردود المادي العائد منها قليل أو معدوم في معظم الأحيان وقد يكون الهدف من طرح المسابقة هو جمع أفكار تصميمية من عدة مكاتب للجهة صاحبة المشروع بدون مقابل على ان تجمع فيما بعد سلبيات وايجابيات تلك الأفكار للاستفادة منها في مشروع واحد.
– لجان التحكيم المكلفة بتحكيم مشاريع المسابقات المعمارية تكون حسب رأي وتوجيه صاحب المشروع وقد يكون عنصر الكفاءة والخبرة غير واردين في اختيار أعضاء اللجنة إنما يتكون جزء منها من أصحاب المشروع أو الجهة المالكة للمشروع والمجموعة الأخرى من المحكمين تم اختيارهم بتوجيه من أصحاب المشروع أو الجهة المالكة له.
– أسلوب التحكيم في مشاريع المسابقات المعمارية يعتمد على كفاءة وخبرة أعضاء لجنة الحكم ولكن معظم الطرق التقليدية المتبعة في تحكيم المسابقات المعمارية غير منصفة لعدم وجود معايير معتمدة شاملة لكل المشاريع إنما تعتمد معايير التحكيم لأي مشروع على نوعية وعلى أسلوب لجنة الحكم في تحكيمه وقد يكون إيجاد معايير شاملة تطبق على كل المشاريع أمراً بالغ الصعوبة لكن وجود بعض المعايير الشاملة الأساسية المتفق عليها والصادرة من جهات الاختصاص قد يسهل مهمة لجنة الحكم بصورة نسبية.
– أسلوب دعوة المكاتب الاستشارية للمسابقات المعمارية وغيرها يعتمد في معظمه على العلاقات الشخصية بين الجهة المالكة للمشروع وأصحاب المكاتب الاستشارية أو الهندسية دون النظر إلى كفاءة المكتب لذا فإن عدد المكاتب الاستشارية والهندسية المسجلة رسمياً تجاوز الفي مكتب وعدد المكاتب النشطة والتي تزاول المهنة بشكل احترافي لا يتجاوز الستين مكتباً وهذا يدل على التوزيع غير العادل للأعمال الاستشارية من قبل أصحاب المشاريع والتركيز على مكاتب كبيرة في الاسم فقط وضعيفة في القصيم تعمل في هذا المجال باسمها فقط علماً بأن هناك العديد من المكاتب المغمورة تقدم أعمالاً مميزة في مجال التصميم والإشراف لا ترقى لها معظم المكاتب الاستشارية الكبيرة.
– معظم المسابقات المعمارية يتم تحكيمها من خلال لجنة تحكيم مكونة من عدد من الأعضاء يختارهم عادة صاحب المشروع دون معايير مهنية في الاختيار ومن سلبيات هذه الطريقة ان عملية المسابقات المعمارية وما يتبعها من تحكيم تتم بعيدة عن الرأي العام المعماري ودون تقارير تصدر عن كل مشروع من خلال مجلات عالمية متخصصة كما ان تحكيم المسابقات لا يخضع لاشراك المنظمات المهنية المنوط بها رفع مستوى المهنة وتكوين لجنة الحكم من ذوي الاختصاص والخبرة مثل أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية والجمعية السعودية لعلوم العمران والهيئة السعودية للمهندسين كجهات رئيسية ثابتة في الجانب الفني للمسابقات المعمارية والهندسية إضافة إلى أعضاء آخرين من جهات ذات علاقة بالمشروع.
د. م. خالد الطياش
====================================
جريدة الرياض – الخميس 2 ربيع الآخر 1428هـ – 19أبريل 2007م – العدد 14178