مقدمة عن هندسة القباب تستعمل القبة عادة كأسلوب هندسي معماري لمعالجة السقف في البلاد التي تخلو من الأخشاب. والقبوه استعملت في بلاد الرافدين ثم استعملت في وادي النيل، ثم انتقلت إلى الحضارة الاتروسكية والذين يعتقد أنهم أتوا من الشرق إلى أواسط ايطاليا فنقلوا استعمال القوس إلى بلاد الرومان (كامل،1975). إذ يذكر الدكتور كامل ماهر أن "السقف المدبب أمر لم يعرفه الإغريق، كما لم يحاولوا مطلقاً إقامة أقواس في معابدهم أو مبانيهم، وهما أمران برع فيهما البابليون والأشوريون، ومنهما انتقلت هذه الطريقة في البناء إلى اثروريا متخطية في طريقها المصريين واليونانيين، ثم تعلم الرومان فكرة القوس من جيرانهم . في الأصل كانت تبنى القبة على مخطط دائري. وحدثت الثورة المعمارية في العصر البيزنطي حين استطاع المهندس البيزنطي السوري من بناء قبة على مخطط رباعي، وهكذا بنيت كنيسة أيا صوفيا عام 532 ميلادية والتي حولت إلى جامع في زمن الدولة العثمانية بعد فتح القسطنطينية ثم حولت إلى متحف بعد الحرب العالمية الأولى.إلا أن قبة الصخرة التي أنشئت عام 72هـ/691م، إنما بنيت على قاعدة دائرية تستطيل إلى أعلى وبني حولها بناء مثمن. فبناء قبة الصخرة هو بناء دائري من الداخل ويحيط به بناء مضلع (ثماني) أقرب إلى الدائرة منه إلى المضلع إذا قيس بالمقياس الإنساني –فان الإنسان الذي يتجول حوله أو داخله فانه بقصد الإحساس بالإضلاع ولا يستوعب إلا الإحساس الدائري. وكذلك نجد أن قبة السلسلة المجاورة لقبة الصخرة (Gautier,1982) بنيت على قاعدة سداسية ثم بني حولها بناء آخر على قاعدة مضلع أثنا عشر (قبة السلسلة). ويوجد في الحرم القدسي عدة قباب صغيرة ذات قاعدة مستديرة. أما المسجد الأقصى فان قبته مبنية على قاعدة مربعة على منوال الأسلوب البيزنطي والذي انتشر في العمارة العثمانية مؤخراً.
الأصول الفنية لعمارة القدس:مدينة القدس غنية بعماراتها التي تمت أشادتها في شتى العصور التاريخية التي مرت بالمدينة، ومنها؛ العمارة الإسلامية. وأهمها ذلك العمران الذي يشكل البيئة العمرانية المحيطة بالحرم المقدسي والذي يعتبر القاعدة التاريخية للعمارة الإسلامية في بيت المقدس. أن صلة العرب بالقدس لم تبدأ بالإسلام كما يظن، وإنما هي مدينة عربية المنشأ(Natsheh,1989)، فقد سكن اليبوسيون مدينة القدس منذ أقدم العصور، وهم من قبيلة يبوس التي تنحدر من الكنعانيين، والكنعانيون فرع من الساميين الذين نزحوا من الجزيرة العربية. وقد بنيت المدينة حوالي 3000 ق.م. ويجدر الإشارة والتذكير هنا أن هذا التاريخ هو بداية تسجيل التاريخ إذ أن اختراع الكتابة قد تم في 3500 ق.م(عفيف عبد الرحمن،1983) (سليمان الشيخ،1987). وهذا يدل على عمق القدس في التاريخ وتأصيل عروبتها.أصبح العرب بعد الفتح الإسلامي مباشرة سادة البلاد وسيطر الذوق العربي على كافة مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية والمعيشية، وشعر الأمويون بالحاجة إلى أن يقيموا عمائر تسيطر على مظاهر العمران في البلاد التي فرضوا سيطرتهم عليها. والقدس هي الأهم، فكانت قبة الصخرة المشرفة وما تضمنته من فن العمارة والزخرفة، إضافة إلى المسجد الأموي في دمشق والقصور الصحراوية، وقصر هشام في أريحا (شكل رقم 4). ويصف الدكتور فواز طوقان في كتابه الحائر تلك العمائر والقصور الصحراوية ويحللها ويظهر ما فيها من مفاهيم ذات معانٍ اجتماعية وثقافية بالإضافة الى الوصف الهندسي والفني تعطي برهاناً قوياً لعروبة هذه العمارة (طوقان،1979) والتي تمثل الطراز الأموي الذي يعد أول الطرز العربية / الإسلامية (محمد حسن،1948). وأول المدارس الفنية الإسلامية التي تشكلت كمدرسة انتقالية من الفنون البيزنطية إلى مدرسة فن العمارة العباسي، علماً بأن الطراز الأموي هو نقلة نوعية من الطرز المحلية، ولم يخل ذلك الطراز من الكثير من اللوحات التشكيلية الزخرفية والمعمارية الساسانية(محمد حسن،1948)، بل ونجد فيه الكثير من مدرسة الفن والعمارة الرومانية(قاجه،1985)، والفن القبطي المصري(مرزوق،1952)، ذلك أن جغرافية فلسطين ووضع مدينة القدس يتركها مفتوحة إمام انتشار تلك الحضارات والتأثر بها. علماً بأن الطراز البيزنطي هو في منبته من أصل شرقي عربي انتشر في سوريا وعلى ضفاف الفرات وتحديداً في بلدة الصالحية (دورا اوربوس) أي Dura-Europos بالقرب من الميادين، حيث تحتوي على أقدم كنيسة مسيحية ذات قيمة دراسية في فن الجداريات." فالفن الإسلامي ليس من الضروري أن يتحدث عن الإسلام إنما هو الفن الذي يرسم صورة الوجود في زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود "(الرفاعي،1973) كما أن الفن الإسلامي "يعني جميع الجهود التي بذلها العالم الإسلامي خلال عشرة قرون على الأقل في التعبير عن الجمال وصنع الأشياء الفنية " (الرفاعي،1973).وأعطى الفنان المسلم حرية التعبير وحرية اختيار الموضوع في إطار النظام الإسلامي العام والبعد عن العبث به والبحث عن النفعية لذلك لم يلجأ إلى تصوير المواضيع الدينية كما حصل مع الدين المسيحي لأن لغة القرآن كانت فصيحة وبليغة واعجازية فأنجز المباني المعمارية بأشكال جميلة وسخر لها الفنون الجميلة جميعها في خدمتها فكانت الزخرفة، والرقش، والكتابة تتكاثف مع العمارة في وحدة واحدة تنجز المطلوب منها من جمال و وظيفة فكان الفن عبادة وتسبيح. وخير شاهد على ذلك هو بناء قبة الصخرة في القدس الشريف الذي بناه الخليفة عبد الملك بن مروان بين 685- 691م (التل،1983).
الخلاصــــــة6–حافظتا لعمارة الإسلامية على البعد الإنساني في مبانيها شكلاً وفكراً ومضموناً، كما أنها وفرت للإنسان الإحساس الفعلي بالأمن والسكينة والسلام، والفصل بين حياة وصخب الشارع في الخارج المحيط وبين الحياة العائلية في الداخل وتوفير الخصوصية والتمتع بالفراغ الداخلي، واستعملت الفنون للتهيئة لبيئة إنسانية يتفاعل فيها الإنسان حسياً ونفسياً (Grabar,1983). إن العمارة الإسلامية هي مرجعية هامة تعرضمفهوم الفن الإسلامي (قاجه،1985). والزخرفة في العمارة الإسلامية هي أساسية في التشكيل بحيث يتم فيها التركيز على الوحدة والترابط معاً. وقد اختلفت فنون الزخرفة وتنوعت فكان منها الزخارف الهندسية والنباتية والرقش العربي وفنون الكتابة بالخط العربي وأساليبه المتنوعة، وذلك في مسطحات أو بثلاثة أبعاد على شكل عناصر معمارية لإبراز جمالياتها كالمقرنصات؛ التي تعتبر قمة الحركة في تجسيد فنون الزخرفة المعمارية.
ولم يقتصر استعمال تلك الفنون تحقيقاً للقيم الجمالية أو لإبراز اللون وتأثيره الحسي والنفسي فحسب؛ بل كانت لأداء وظيفي هام من اجل عمارة إنسانية ومن هنا ينشأ التوافق بين الشكل والمضمون في روعة فن الزخرفة الإسلامية. كما أن الزخرفة الهندسية والنباتية في الفن الإسلامي ذات قيم ثقافية تبحث في الطبيعة الإنسانية والفكر (Ardalan,1979)، فهي قاعدة الحقيقة الخفية، يقصد بها الفنان المصمم (المعماري)، بأن يوحي للإنسان مسرحاً ينقله من خلاله من الواقع ليرقى بالنفس في عالم من التفكر والروحانية. والكتابة بمضامينها من آيات قرآنية أو أشعار صوفية، فإنها تعبير رائع يجسد قيمة الكلمة، ويقود الفكر عند المؤمن ليتعلق بالخالق سبحانه وتعالى، وهو الذي يجزيه على عمله. وقد جاء في الكتاب الحكيم قوله تعالى:"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" (التوبة،آية 105).وكذلك قوله تعالى:"انا لا نضيع أجر من أحسن عملا"
This atrilce is a home run, pure and simple!