مراكز الأحياء ووقت الحاجة إليها |
د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري – كاتب متخصص في التنمية 22/10/1427هـ
alkhedheiri@hotmail.com
الترابط المجتمعي وتوثيق العلاقات الأسرية داخل الأحياء السكنية, خصوصاً في المدن الكبيرة أو الرئيسة, أصبح اليوم أكثر حاجة من السابق, خصوصاً مع انتشار العديد من الجرائم الفردية أو الجماعية من سرقة أو اغتصاب أو ترويج مخدرات. والمجتمعات مهما تحضرت فإنها تحتاج إلى نوع من الروابط التي توثق المسؤوليات والعلاقات من خلالها. إن ما تعيشه مدننا اليوم من اتساع في مساحاتها وتغير في سلوك بعض ساكنيها وحاجتها إلى ضبط العلاقة بين سكانها من خلال الاستفادة من الحيّز المكاني الذي يعيش فيه سكانها, يتطلب الاهتمام بتفعيل إنشاء مراكز للأحياء, خصوصاً مع نجاح التجربة حاليا في بعض مدن المملكة. إن الأحياء السكنية أو المجاورات تبنى من خلال التجاور المباشر وغير المباشر بين سكانها, الذين يمثلون اللحمة القوية للعلاقات الإنسانية السوية التي يدعو إليها الإسلام من خلال نشر السلام بين الناس وتوادهم وتراحمهم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى". وتمثل الأحياء السكنية العلاقة الأقوى بين السكان من خلال العمل المشترك اليومي بينهم وحرصهم على تحقيق الأمن والطمأنينة في أحيائهم. إذا كان المنزل أو البيت هو العنصر الذي تدور حوله العلاقات الأسرية الصغيرة بين الأب والأم والأبناء, فإن الحي السكني هو البيت الثاني الذي يمكن أن تُبنى من خلاله العلاقات الاجتماعية والأسرية بين مجموعة من المتجاورين من خلال تطوير علاقات مشتركة بينهم يقوم فيه كل جار بمتطلبات الجوار من رعاية وسؤال ومتابعة لجاره، وصدق الرسول الكريم, صلى الله عليه وسلم, عندما قال: "والله لا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه". كما أكد صلى الله عليه وسلم, على الجار السابع وقيل الأربعين عندما قال: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". ويمثل مركز الحي القلب النابض فيه لاحتوائه على العناصر الأساسية لمتطلبات السكان المحليين ويأتي على رأسها المسجد والخدمات الملحقة به، ثم الحديقة والملاعب الرياضية والصالات متعددة الأغراض. ويكون هذا المركز نقطة التقاء سكان الحي يتدارسون فيه متطلبات حيهم ويعالجون من خلاله مشكلاتهم الاجتماعية والأسرية، يستفاد فيه من وقت وجهد الرجال والنساء العاملين والمتقاعدين في توجيه الشباب من الجنسين واستغلال وقتهم بما يفيدهم، كما أنه المكان الملائم لإقامة العديد من الفعاليات منها على سبيل المثال إقامة مناسبة العيدين والزواج والعزاء. كما أن هذه المراكز تصبح إحدى الأدوات التي تساعد على تنمية قدرات الشباب من الجنسين وتعليمهم بعض المهارات المنزلية والفنية. إن مثل هذه المراكز ستقوي العلاقة الاجتماعية بين سكان الأحياء وتساعد على معرفة ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والصحية حتى يتمكن من خلالها توجيه الدعم المالي والعيني إلى الأسر المحتاجة، كما أن هذه المراكز تساعد على توجيه السكان وتثقيفهم ومحاربة أي أفكار دخيلة على المجتمع وبناء العلاقة الصحيحة بين سكان الحي وإيجاد الرقيب الذاتي للسكان على حيهم من خلال إلقاء المحاضرات والبرامج التوعوية والإرشادية. ومثل هذه المراكز وبما تحتويه من إمكانات رياضية ستصبح المكان المناسب لسكان الحي لممارسة الألعاب الرياضية المختلفة وتنمية شعور المنافسة الإيجابية والعمل الجاد بين سكان الحي من مختلف الأعمار. ولعله من المهم هنا الإشارة إلى أهمية وجود مركز الحي في تأصيل انتماء الإنسان لحيه وتفعيل إحساسه بالمواطنة والمسؤولية ومشاركته في الإشراف على إدارة الحي والعين الرقيبة على السلوكيات غير الحضارية لمجتمع الحي والمساعدة على منع دخول الغرباء أو انتشار المخدرات. ويمثل الحي السكني الحيز المكاني الأصغر في منظومة المدينة, مما يجعل المركز فيه أداة للاستفادة منها عند تقسيم المدينة إلى دوائر انتخابية. ولعل من المناسب تأكيد أهمية إيجاد مجلس للمركز يتم انتخابه من قبل سكان الحي وفقاً لنظام يوضع لذلك. إن الحاجة أصبحت ملحة إلى الاهتمام بإيجاد مراكز في الأحياء, خصوصاً مع السعي الحثيث إلى تفعيل دور المواطن واستثمار وقته وجهده بما يخدم التوجهات الخيّرة التي يسعى إليها من خلال إيجاد المواطن المتحضر المؤمن بربه ثم المعتز بوطنيته والمنتمي إلى هذا البلد الخيّر.
وقفة تأمل: " إذا كنت تحب السرور في الحياة فاعتن بصحتك، وإذا كنت تحب السعادة في الحياة فاعتن بخلقك، وإذا كنت تحب الخلود في الحياة فاعتن بعقلك، وإذا كنت تحب ذلك كله فاعتن بدينك".
|
©صحيفة الاقتصادية الالكترونية – كُـتـّاب الاقتصادية – الإثنين, 22 شوال 1427 هـ الموافق 13/11/2006 م – – العدد