الطاقة البديلة… أزمة الطاقة بقطاع غزة أفاق وحل

إعداد / د.م. أحمد سلامة محيسن دكتوراة في الهندسة المعمارية من جامعة نوتنجنهام ببريطانيا ، محاضر بالجامعة الإسلامية بغزة

تعاني معظم دول العالم من أزمة في الطاقة تتمثل في النقص الحاد بمصادر الطاقة التقليدية خاصة النفط ممايشكل تهديدا قويا لمسيرة التقدم والرقي فيها . لذلك فإن التوجه الحالي خاصة في الدول المتقدمة هو ضرورة إيجاد بديل متجدد للطاقة ليحل محل المصادر التقليدية في حال نضوبها .من اهم هذه البدائل هي مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الشمس والرياح وباطن الأرض والمساقط المائية والمواد العضوية وغيرها .تتميز هذه النوعية من الطاقة بأنها متجددة لاتنضب إلا بنضوب الحياة على وجه الأرض ، كما أنها متوفرة في معظم أنحاء العالم خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ، ولكن تكمن الصعوبة في كيفية استخلاصها واستغلالها وجعلها متوفرة في متناول الايدي .وكنتيجة لأبحاث علمية كثيرة في هذا المجال تم التوصل إلى بعض الطرق والأساليب وتطوير بعض الأدوات والأجهزة التي من شأنها تحويل الطاقة الطبيعية إلى صور اخرى من الطاقة والتي يمكن استعمالها ، مثال على ذلك استخدام مراوح الهواء التي تعمل نتيجة لحركة الرياح لتوليد حركة ميكانيكية تستخدم لإنتاج كمية كبيرة من الكهرباء.وحسب العديد من الأبحاث والإحصائيات الخاصة بمجالات إستخدام الطاقة ، تبين أن قطاع المباني السكنية يستهلك الجزء الأكبر من إجمالي الطاقة المستهلكة في الدول ( تشكل ثلثي الاستهلاك الكلي للطاقة في بريطانيا ) خاصة في التدفئة والتبريد بالإضافة إلى الاستعمالات المنزلية الأخرى . لذلك فغن التوجه الحالي في تصميم المباني السكنية بشكل خاص هو محاولة توفير الطاقة المستخدمة وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية إلى اقصى حد ممكن . يمكن تحقيق ذلك بشكل مباشر من خلال استخدام الخلايا الكهروضوئية لتوليد الكهرباء أو استخدام المجمعات الحرارية ( الحمامات الشمسية ) لتسخين الماء أو بشكل غير مباشر من خلال اختيار شكل وتفاصيل وتوجيه التصميم المعماري ، مثال على ذلك استخدام العوازل الحرارية – استخدام مواد بناء مناسبة – الاستفادة من الإشعاع الشمسي بشكل مباشر لتدفئة المبنى – توجيه المبنى للاستفادة من الرياح السائدة بشكل فعال وغيرها من الوسائل المختلفة .

الطاقة في قطاع غزة :كما هو معروف فإن الأراضي الفلسطينية بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص يعاني من مشكلة حادة في مجال الطاقة  تتمثل في ندرتها والاعتماد الكلي على إسرائيل للحصول عليها مما يجعل التحكم في الطاقة هو ورقة ضغط  قوية على الجانب الفلسطيني من قبل إسرائيل . لذلك نحن كفلسطينين في أمس الحاجة إلى  التوفير  في استهلاك الطاقة ومحاولة إيجاد مصادر وطرق أخرى بديله لكي لا نكون من خلالها تبعا لإسرائيل . وعليه فإن المطلوب من الجهات المعنية ، وخاصة في الحكومة الجديدة هو التفكير بشكل جدي في الوسائل والسبل التي من شأنها توفير استهلاك  الطاقة وخاصة الكهرباء وإيجاد مصادر وطرق اخرى بديلة . يمكن تحقيق ذلك من خلال تشجيع العمارة الموفرة للطاقة وذلك على عدة مستويات تبدأ بالتوعية والإرشاد وتنتهي بسن قوانين وتشريعات خاصة بأنظمة ومواد البناء .يفتقر قطاع غزة إلى مصادر الطاقة التقليدية خاصة النفط، وعلى الرغم من وجود بعض اكتشافات للغاز الطبيعي في المنطقة المحاذية للقطاع في البحر المتوسط إلا أنه وللأسف لم يتم استغلالها حتى الآن نتيجة لأسباب كثيرة ليسأقلها الاحتلال وإجراءاته التعسفية . لذلك يعتمد القطاع بشكل رئيسي على إسرائيل في الحصول على الطاقة وخاصة الكهرباء التي تبيعها للفلسطينين بأسعار مرتفعة تتناسب ربما مع مستواها الاقتصادي المرتفع، ولكنها بالتأكيد تفوق قدرة الفلسطينين ولا تتناسب مع امكانياتهم المحدودة . إن الاعتماد على الكهرباء الإسرائيلية فقط يعرض الفلسطينين دائما للابتزاز من خلال التهديد بقطعها وحرمان قطاع غزة من هذا المصدر الحيوي والأساسي لحياة المواطنين وللاقتصاد الفلسطيني الذي يقوم بشكل أساسي على الصناعات الصغيرة المعتمدة كليا على الكهرباء.بالرغم من هذه الصورة القائمة لوضع الطاقة في قطاع غزة إلا أن الأراضي الفلسطينية بشكل عام ، وقطاع غزة خصوصا غني بمصدر متجدد من الطاقة وهو الطاقة الشمسية التي تتوفر في معظم أوقات السنة وبكمية كبيرة نسبيا ، وذلك نتيجة طبيعية لوقوع القطاع قريبا من المنطقة الحارة الجافة من الكرة الأرضية على خط عرض 32 درجة شمالا. إن الطاقة الشمسية مصدر أساسي للطاقة المتجددة يمكن إذا ما تم استغلاله بشكل جيد التوفير والتقليل بشكل ملحوظ من الاعتماد على الطاقة التقليدية خاصة في المباني . لذلك فإن المطلوب حاليا هو التركيز على استغلال هذا النوع من الطاقة المتوفرة وبشكل مجاني للجميع .

توصيات :يمكن إجمال الخطوات الواجب اتخاذها في المرحلة الحالية كالتالي :·         توعية الناس من خلال وسائل الإعلام المختلفة بضرورة ترشيد استهلاك الطاقة في المباني .·         تشجيع وغنشاء مراكز لأبحاث الطاقة المتجددة ( خاصة في الجامعات والمراكز العلمية ) والتي من شأنها تطوير هذا المجال ودراسة إمكانيات التطبيق في قطاع غزة .·         العمل على حث وتشجيع المواطنين والمؤسسات على استغلال الطاقة المتجددة وخاصة الطاقة الشمسية في المباني.·         العمل على سن قوانين وتشريعات خاصة باستخدام الطاقة الشمسية في المباني على مستويين :أولا التخطيط: وذلك من خلال التأكيد على ضرورة الاستفادة من الطاقة الشمسية في تخطيط المدن والأحياء الجديدة ( خاصة في المناطق المحررة) من خلال توجيه المباني وإقرار حق كل وحدة سكنية في الحصول على الطاقة الشمسية .ثانيا التصميم المعماري: ضرورة وضع مقاييس تحدد مواصفات المباني الموفرة للطاقة فيما يتعلق بالأداء الحراري والذي له علاقة مباشرة باختيار مواد البناء واستعمال مواد العزل الحراري .من شأن هذه الإجراءات أن تقلل من الاعتماد على الطاقة التقليدية وتوفر بديل متجدد وعمارة بيئية سليمة موفرة للطاقة. ومن الجدير بالذكر أن ذلك يحتاج إلى وضع سياسة واضحة ومحددة وخطة للعمل على مدى السنوات القليلة القادمة تهدف إلى زيادة استغلال الطاقة الشمسية والوصول إلى نسبة محددة من الاستهلاك الإجمالي للكهرباء. يستلزم ذلك الاستعانة بخبرات محلية وربما دولية (على الأقل مبدئيا ) وذلك على صعيد الكفاءات البشرية ، هذا بالإضافة إلى دراسة واستخلاص العبر من تجارب دول سابقة بهذا المجال.لابد من الإشارة بأن مجال استغلال الطاقة الشمسية هو مجال واعد ومبشر بخير وذلك بناءا على تجارب في دول مثل اليونان و (مايسمى ) بغسرائيل والتي تعتبر من الدول الرائدة في مجال استغلال الطاقة الشمسية وخاصة في تسخين المياه. مايشجع على ذلك هو أن التكنولوجيا المطلوبة في هذا المجال (خاصة تسخين المياه) هي نسبيا بسيطة وغير معقدة وجزء منها (بشكله البسيط ) هو فعليا مستخدم حاليا في الأراضي الفلسطينية .المعوقات :قد يواجه هذا المشروع بعض المعوقات والتي يمكن إجمالها كالتالي:·         عدم تقبل الناس لفكرة التقليلمن استهلاك الطاقة التقليدة والاعتماد على الطاقة الشمسية .·         عدم توفر الكفاءات والمختصين المحليين القادرين على تصميم وإنتاج عمارة موفرة للطاقة .·         ارتفاع أسعار المعدات والأجهزة اللازمة لاستغلال الطاقة الشمسية وخاصة الوحدات الكهروضوئية وعدم قدرة الناس على شرائها .يمكن إجمال هذه المعوقات بشكل عام إلى معوقات بشرية تتعلق بالتوعية ، وتوفر المختصين ، وأخرى مادية تتعلق بتوفير التمويل اللازم .يمكن التغلب على النوع الأول بالتوعية والإرشاد وتدريب وتأهيل كفاءات قادرة على تصميم وإدارة مشاريع الطاقة المتجددة وذلك من خلال عقد ندوات ودورات تدريبية تهدف إلى زيادة الوعي بموضوع الطاقة البديلة والعمارة الخضراء. أما المعوقات المادية والتي تكمن في ارتفاع ثمن الوحدات الشمسية وتكاليف تركيبها فيمكن التغلب عليها من خلال تفعيل دور الحكومة والمؤسسات المعنية في دعم هذه المشاريع من خلال توفير بنوك او صناديق إقراض بشروط مخففة خاصة بتمويل مشاريع الطاقة البديلة. الجدير بالذكر أن جزء كبير من التكلفة المبدئية لهذه المشاريع يمكن استرداده على مدى العمر الزمني للوحدات (25 سنة للخلايا الكهروضوئية) وذلك  من خلال  التوفير في استهلاك الكهرباء العامة والاعتماد على الكهرباء المولدة . 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *